فرودويكي – يوليو 2025
شهد الخطاب الرسمي للشرعية اليمنية تحولًا لافتًا في مضمونه، تجلّى في تصريحات الرئيس اليمني الأخيرة التي هاجم فيها السرديات الدولية المضللة، وحذّر من تصوير جماعة الحوثي كطرف مظلوم أو كـ”سلطة أمر واقع”. هذا التغير لم يأتِ من فراغ، بل جاء عقب سلسلة من التقارير الاستقصائية التي أصدرتها منصة “فرودويكي”، والتي وثّقت بعمق كيف نجحت القوى الناعمة للحوثيين في اختراق الأوساط الدولية، والتأثير على مؤسسات أممية ومراكز أبحاث ومنظمات تموَّل بملايين الدولارات.
المفارقة أن هذا التوثيق لم يأتِ من مؤسسات الدولة الرسمية، بل من عمل طوعي قامت به منصة “فرودويكي”، التي تصدّت منفردة لمهمة تفكيك وتشريح السردية الحوثية، وكشف أدواتها الناعمة، وتتبّع شبكة التمويلات والمراكز البحثية التي شرعنت الجماعة تحت شعارات “السلام” و”العدالة”.
ورغم أن خطاب الشرعية تبنّى كثيرًا مما ورد في تقارير “فرودويكي”، إلا أنه تجنب مساءلة ومعاقبة المؤسسات والشخصيات التي روّجت لهذه السردية لسنوات. فقد تجاهلت الشرعية حتى الآن اتخاذ أي إجراء تجاه الكيانات التي حددتها “فرودويكي” كمحركات رئيسية للنفوذ الحوثي الناعم، وفي مقدمتها مؤسسة مواطنة التابعة للناشطة رضية المتوكل، التي لعبت دورًا محوريًا في تقديم الجماعة كمظلومة في التقارير الحقوقية الدولية، و مركز صنعاء للدراسات، الذي أسسه فارع المسلمي ويديره حاليا ماجد المذحجي، واللذان ملأا الدنيا عويلاً وصراخًا دفاعًا عن الحوثيين بعد أن تم تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية في الأسابيع الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو ما ساهم لاحقًا في الضغط لإلغاء هذا التصنيف من قبل الإدارة الجديدة. ساعدهم في ذلك شخصيات مثل رافت الاكحلي
كما تشمل هذه الكيانات شركة ديب روت DeepRoot لرافت الاكحلي، التي تنشط في مشاريع تحليل السياسات تحت مظلة دولية تمنح الحوثيين حضورًا ناعمًا في الفضاء السياسي، إضافة إلى مؤسسة رنين اليمن التي يديرها علاء قاسم بتشارك مع رأفت الأكحلي، علاوة على برنامج زمالة حكمة الذي تديره عببر المتوكل زوجة الاكحلي.
هذه الكيانات، بما فيها البرامج والمبادرات المتفرعة عنها، تتحرك بحرية في أوساط الحكومة الشرعية، ويشارك في بعضها مسؤولون وفاعلون دون مساءلة، ما يعكس اختراقًا عميقًا في بنية الدولة نفسها.
هذا التباين يسلّط الضوء على عجز الإعلام الرسمي والمؤسسات البحثية التابعة للشرعية عن إنتاج سرديات مقابلة، أو حتى مجرد توثيق الرواية الحوثية. كما يكشف عن خلل خطير، إذ تساهم مؤسسات عاملة من قلب الشرعية – لا من خارجها – في ترويج السردية الحوثية دوليًا، بتمويلات خارجية وغطاء مؤسسي رسمي.
إن تأخر الشرعية في مواجهة هذا الاختراق الناعم، وعدم قدرتها على تطهير بيئتها المؤسسية، يجعل من التحول الأخير في خطابها مجرد رد فعل متأخر، لا يعالج جذور المشكلة. فمعركة اليمن اليوم لم تعد فقط سياسية أو عسكرية، بل أصبحت معركة على الرواية والشرعية والمصداقية، وهي معركة لا يمكن كسبها دون أدوات إعلامية واستقصائية وطنية، مستقلة، ومرتبطة فعليًا بمشروع استعادة الدولة.

