تزايدت مؤخراً، بعد أن انتشرت خلال سنوات الحرب القبيحة، ما يمكن تسميتها “الدكاكين” الوهمية التي تدعي أنها مؤسسات أكاديمية تمنح درجات علمية وشهادات عليا وشهادات فخرية الخ، وغالباً ما تحتوي مسميات دكاكين الوهم والزور والتزييف هذه إشارات إلى بلدان غربية كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة الخ أو كلمة “دولية” أو جزء من اسم جامعة مرموقة، وهكذا، والسبب واضح وجزء جوهري من مهمة توظيف الزيف و تسويق الوهم على عموم الناس قليلي التعلم والمعرفة أو الخبرة أو الاثنتين معاً، بما في ذلك السلطات والحكومات والسفارات وخاصة اليمنية لأن الكادر الوظيفي لها إما شبه جاهل مخدوع أو متآمر أجره مدفوع، وباستثناء الذين يستخدمون هذا النصب والتزوير أنفسهم أميل هنا أكثر إلى الاحتمال الأول، أي احتمال الجهل، لأنه يُحسن الظن فيهم، فلا غرابة أن سفيراً وسياسياً كبيراً له تاريخ محترم احتفل عن عدم دراية بمزورة من النوع الكبير ملتقطا الصور الرسمية معها، نفس هذه النصابة ظهرت مؤخراً حتى مع مسؤول إماراتي رفيع المستوى وعلى ذلك لا غرابة إذا انخدع اليمنيين!
استخدام اسماء الدول وأجزاء من أسماء جامعات حقيقة وأعلام اجنبية الخ من الحيل لتسويق النصب والاحتيال يشبه كثيرا استخدام الدين لتسويق النصب والاحتيال كما فعل ومازال رجل الدين عبدالمجيد الزنداني وجوقته ومن لف لفه، الفارق أن هذا الاستخدام الجديد يلبس كرفته بدلاً عن العمامة والذقن المحناة ويستخدم لغة معاصرة بدلاً عن التراث الديني، ولكن في المحصلة كلهم سواء، مجرد جهلة ونصابين ولصوص في عالم المعرفة، كلهم في مزبلة العلم والمعرفة، مع أنهم يستغلون جهل عامة الناس أو حبهم لدينهم للوصول إلى مآربهم!
المهم هنا، لاحظوا، إن استخدم اسماء بلدان عظمى أو كلمة دولية أو استخدام جزء من اسم جامعة حقيقية، أو استخدم اجزاء من أعلام دول، وغيرها من الحيل شديدة الغباء، وكلها مقصود منها أن تَمنح الوثيقة المزيفة الوهمية مصداقية على خلفية أن المتلقي سيعتقد أن هذه الدول لن تسمح بمثل هكذا زور ، وهذا افتراض غير صحيح، فهذه الدول لا تكترث لكم أيها الواهمون ولا تكترث للأغبياء الذين توضع اسمائهم في هذه الوثائق سواء كانوا المانحين أو الممنوحين، أو كما كانت تقول جارتنا بتعز رحمها الله (مع الاعتذار مسبقاً عن التعبير الشعبي إلا أنه في هذه الحالة مناسب جداً)، كانت تقول: “محد عارف فين طرشتهم الكلاب”!
هذه الدول أيها الناس لا تكترث حتى لو كان المزور مقيم فيها، لا تكترث إلا في حالة واحدة، وهي إذا ما لجأ متضرر ما إلى القضاء، وحينها سيحكم القضاء بحسب القوانين لصالح المتضرر، بحسب حجم الضرر!
ألا يكفي بلادنا أن مؤسساتها العلمية والاكاديمية ضعيفة حتى من قبل الحرب وأضحت الآن في الحضيض، وأصدقكم القول بأن كل هذا الكم (باستثناءات نادرة) من درجات الماجستير والدكتوراه غير المزورة هي ضعيفة للغاية ولا تستدعي تقديرنا لها مع احترامنا أنها تمت في أطر غير مزورة!
صحيح أن النصابين، أو من يمكن تسميتهم لصوص الألقاب والشهادات، هؤلاء الذين لا كرامة لهم ولا خلق ولا شرف، الذين يقبلون القاب وشهادات وهمية غبية قبيحة شديدة الانحطاط، صحيح أنهم يستفيدون منها في مجتمع متخلف وسلطات غبية جاهلة أو متواطئة، يستفيدون على صعيد التسلق الوظيفي المحلي أو الدعاية الشخصية المحلية، ويغطون مركبات نقص في شخصياتهم في كونهم عاجزون عن الوصول بجدارة إلى استحقاق هذه الالقاب والدرجات والشهادات ولذلك يشعرون بدونية يغطونها بهذا الزيف وبهذه اللصوصية (مع أن الانسان الطبيعي لا يجب أن يشعر بمثل هذه الدونية أساساً بغض النظر عن مؤهلاته التعليمية أو غيرها فالناس سواء ولكن تختلف ادوارهم في الحياة ليس إلا)، كل هذا الزيف وتوظيفه صحيح ولكنه في ميزان العلم والمعرفة لا قيمة ولا أهمية له، بل في مزبلة العلم والمعرفة إذا صح التعبير، وفي حقيقة الأمر لا يضيف هذا السلوك لهم إلا خزي وعار يلتصق بهم في حياتهم وفي سيرتهم المزورة بعد مماتهم، وهنا يكون معنى غبائهم قد تحقق، إنهم يورثون لذرياتهم وذكراهم اوراق من محتويات مزبلة العلم والمعرفة!
الخلاصة أيها الناس أن كل هذا الـ”عك” والجهل والغباء والوهم والزور والزيف والتزييف لا يضر إلا أصحابه ومن يصدقهم، لا أقل ولا أكثر، وأمامكم مثال السيدة “العبقرية” التي أشرت إليها أعلاه، فمع كل ما تمتعت به ومازالت من دعم إعلامي خليجي وتصديق نسبه لابأس بها من المساكين بـ”عبقريتها” الوهمية، هاهي مع أنها تسرح وتمرح في الخليج إلا أن لا قيمة لها في المجتمع العلمي والمعرفي هنا في الغرب ولا في أي مؤسسة علمية محترمة في أي مكان في العالم لا من قريب ولا من بعيد، أو كما قالت جارتنا رحمها الله:
والله محد داري فين …….!
مع خالص الاعتذار لجنس الكلاب، فهو جنس وفي لا يعرف الكذب ولا النصب ولا التزوير!
جمعة مباركة جنبكنّ وجنبكم الله الوهم والنصب والزور والتزوير والزيف والتزييف، وطيب أوقاتكنّ واوقاتكم أجمعين!
——
استدراك:
الجملة التي جاءت على لسان جارتنا رحمها الله في الحقيقة تتضمن كلمة أخرى غير كلمة “طرش”، بل كلمة عامية-فصحى ثلاثية أيضاً تحمل معنى التبرز، ولم استطع استخدامها في مقالي هذا، فاستخدمت بدلاً عنها الفعل الثلاثي بالعامية “طرش”!