2 أكتوبر 2023 – فرودويكي

#لن_نصمت #وين_الفلوس

 

مقدمة

يتناول هذا التقرير ما حصل بالنسبة للهدية التي قدمتها دولة بولندا من القمح والتي لم يستفد منها الشعب اليمني  بسبب عدم مهنية الحكومة الشرعية والاستغلال السيء من قِبل منظمة الغذاء العالمي، نقول ان ما حدث في التعامل مع هذه الشحنة وضياعها يتوجب التحقيق من الجهات المعنية وعلى راسها مجلس النواب والرئاسة وجهاز الرقابة والمحاسبة والقضاء والنيابة وعدم السماح بان تمر مرور الكرام . بالإضافة إلى فتح تحقيق مع كل المنظمات العاملة باليمن وتفعيل كل البلاغات حول الفساد في عملها.

لقد تلقى الشعب اليمني هدية من دولة بولندا تمثلت ب 40 ألف طن من القمح، وهذه تعني 4 مليون كيلوغرام من القمح وبتوزيعها على شوالات بحجم 50 كيلوغرام تعني هذه الشحنة توفير 800 ألف شوال (كيس) أي انها ستكفي للتوزيع على 800 ألف اسرة يمنية محتاجة وهذا يعني بلغة الأرقام تغطية احتياج 8 مليون فرد يمني لفترة معينة، او قد يعني زيادة حصة الاسر المحتاجة والتي تدعي منظمة الغذاء توزيع الغذاء عليها وتقدرهم بــ 11 مليون فرد يمني.

 

هذه الشحنة من القمح النقي البولندي تقدر قيمتها من سعر 300 دولار للطن بمبلغ 12 مليون دولار، كما ان عملية النقل في اسوء الحالات لن تتجاوز 50 دولار للطن الواحد وبالتالي فان مبلغ تكاليف النقل يساوي 2 مليون دولار.

 

ما الذي حدث وكيف تصرفت الحكومة الشرعية؟

عدم الشفافية التي تنتهجها حكومة معين عبد الملك تظهر ان هناك الكثير من المنح العينية التي تعطى لليمن ولا يتم الاستفادة منها بسبب عدم مهنية وكفاءة الحكومة وغياب الانتماء الوطني وعدم وضع مصالح الشعب في المقدمة، وهذا قد يلعب دورا إضافيا فيه المنظمات والوكالات الأممية باليمن التي تهتم أكثر باستلام تمويلات نقدية لتغطي ما تفرضه من نفقات تشغيلية باهضه ولا توصل الا الفتات الى الشعب.

بناء على الوثيقة المرفقة وهي مذكرة سفارة اليمن ببولندا فان دولة بولندا قدمت هدية للشعب اليمني من القمح بكمية 20 ألف طن في فبراير 2023، وفي شهر مايو 2023 رفعت الكمية الى 40 ألف طن وطلبت معرفة ماذا كانت الحكومة ستتكفل بعملية النقل.

 

 

 

الغريب ان مذكرة السفارة تذكر تواصلها مع أحد التجار اليمنيين (بيت هايل / شوقي هايل)، في تجاوز من السفيرة لصلاحياتها ومحاولة للانتفاع من هذه المنحة، فهناك جهات حكومية معنية هي التي من مهامها العمل على تأمين عملية نقل المنحة البولندية.  ويتم ذلك عبر مناقصات شفافة وقانونية بدلا من تكرار ما حصل في الوديعة السعودية السابقة التي ذهب نصيب الاسد منها إلى مجموعة هايل سعيد وفق تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة.

بعد ذلك، قامت وزارة الصناعة والتجارة بتوقيع اتفاقية مع شركة الغذاء الماسي تابعه لحسن جيد (مرفق) لنقل وتعبئة الشحنة مقابل 50 % من الشحنة أي اخذ 20 ألف طن وهي تساوي 6 مليون دولار في تجاوز آخر للقانون ومحاولة مسؤولي الوزارة الانتفاع الشخصي من هذه المنحة، وفقا لمصادر فرودويكي، عند ابلاغ رئيس الوزراء بذلك رفض الاتفاق (ويبدو الرفض لم يكن لمصلحة عامة وانما لأنه ليس التاجر المفضل لديه) وطلب من وزارة التخطيط التخاطب مع منظمة الغذاء العالمي. وكان الاحرى به اخذ بديل اخر وهو عمل مناقصة شفافة للحصول على أفضل عرض  بدلا من خسارة نصف المنحة. أو طلب مساعدة مركز الملك سلمان فربما كانت ستكون النتيجة أفضل.

مع العلم ان برنامج الغذاء العالمي يتعاون في عملية الطحن للقمح والتعبئة والتغليف مع الجهات التالية: شركة هايل وشركة فاهم والتجار التابعين لمليشيا الحوثي الهادي والحباري.

 

 

ورغم ان الاجراء الأفضل والاسرع والاقل كلفة مالية كان يتمثل بمخاطبة مركز المك سلمان الا انه تم التوجه الى برنامج الغذاء العالمي، ومع ذلك كان يجب ان يكون خطاب الوزارة للبرنامج مختلفا وفيه توجيه عاجل بفرض استلام الشحنة وتوزيعها للأسر اليمنية وتحديد قيمة النقل وفقا للأسعار العالمية وعدم إضافة أي كلفة مالية اخرى، الا ان وزارة التخطيط للأسف قامت بخطاب هزيل (مرفق خطاب التخطيط) لا يرتقي الى مستوى المسؤولية، فمذكرتها كانت عبارة عن طلب وكأنها تشحت من منظمة الغذاء، بل زاد الطين بله ذكرها عدم قدرتها المالية، وتناسوا ان بدل اعاشة الوزير الواحد بهذه الحكومة يبلغ 10 الف دولار شهريا، وان الموازنة التشغيلية الشهرية لرئيس الوزراء تبلغ 5 مليون ريال سعودي أي 1.3 مليون دولار شهريا. وكان عليهم أيضا كحل بديل ان يستعينوا بمركز الملك سلمان كما ذكرنا سابقا او ان يقوموا بعمل مناقصة شفافة او يقوموا هم مباشرة أي الحكومة بنقل الشحنة وتحمل تكاليف النقل (2 مليون دولار) ثم الفرض على برنامج الغذاء ادخال هذه الكمية ضمن السلة الغذائية التي يدعي البرنامج توزيعها للأسر اليمنية المحتاجة ويدعي وجود الية لديه وبالتالي لا يحسب أي دولار مقابل ذلك.

 

للأسف ان ذلك ليس فقط ما حدث، فقد تواصل برنامج الغذاء وقدم مقترح لنقل الشحنة وتعبئتها وتوزيعها بمبلغ 48 مليون دولار، ومن ثم تم مراجعة المبلغ حتى وصل الى 20 مليون دولار والذي تم ذكره بمذكرة برنامج الغذاء العالمي المرفقة.

 

فساد منظمة الغذاء العالمي باليمن والمتاجرة بمعاناة اليمنيين:

ان ما قام به برنامج الغذاء العالمي من طلب أموال مبالغ فيها ليس مستغرب لدينا، فهناك الكثير من الشواهد والبلاغات حول عمل هذا البرنامج وتوزيعه لأغذية فاسدة، إضافة الى انه يستلم الجزء الأكبر من التمويلات الدولية والتي للأسف لا يصل الا الفتات منها إذا وصل للشعب اليمني، فمن خلال تتبعنا للمبالغ التي استلمها البرنامج وجدنا انه خلال الفترة من 2015 الى 2023 استلم مبلغ 8.3 مليار دولار أي ما يشكل نسبة 33% من اجمالي التمويل الذي وصل الى 25 مليار دولار للفترة 2015 الى 2023. (مرفق جدول تفصيلي للتمويلات الخاصة باليمن لأكبر عشر وكالات اممية للفترة 2015 – 2023)

وبرغم ان البرنامج لديه موظفين والية للتوزيع كما يدعي ويوزع سلال غذائية لليمنيين منذ بداية الحرب وبالتالي ليس هناك أي تكاليف إضافية عليه الا تكاليف عملية نقل الشحنة من بولندا والتي لن تتجاوز 2 مليون دولار، ورغم استفادته العالية على مدى سنوات الحرب باليمن وعلى معانة الشعب اليمني الا ان البرنامج والعاملين عليه لم يخجلوا ان يطلبوا في البداية مبلغ 48 مليون دولار وعندما خفض المبلغ بعد المراجعة الى 20 مليون دولار اعتذر البرنامج عن القيام بالعملية أيضا بدون خجل.

 

لقد تناسى البرنامج معايير اسفير الدولية (sphere standards) بل وضرب بها عرض الحائط ليس في هذه الشحنة وحسب وانما من سابق، ان معايير اسفير الدولية تلزم البرنامج وغيره من الوكالات الاممية بتوفير الغذاء والماء والصحة والحماية والتعليم للنازحين وعدم اهمال أي مساعدات قد تأتي إليهم وايصالها بشكل لائق وسليم ويحترم كرامة الانسان وحقوقه. (مرفق لرابط ندوة تمت في مارب بالعام 2020 حول معايير اسفير الدولية وتلاعب المنظمات )[1].

كما ان الفقرة الثانية في مذكرة برنامج الغذاء العالمي فيها من الاستخفاف بالحكومة الكثير، ويفهم من معناها ان البرنامج يقوم بتغطية احتياجات الشعب اليمني وانه من يتولى ذلك وعلى الحكومة ان لا تقلق وان تريح نفسها فهو يتابع ويعمل على المعالجات وبالأخير ذيل مذكرته بالاعتذار والرفض لطلب الحكومة.  يبدو اننا اليوم امام شكل جديد من تدخل المنظمات والوكالات الأممية في إدارة الدولة اليمنية وتحكمها بكثير من مشاهد إدارة مؤسسات الدولة وتخلي المسؤولين الحكوميين عن ادوارهم الأساسية.

 

واستمراراً للمعالجة السلبية من قبل مسؤولي الشرعية، قام وزير التخطيط واعد باذيب بعمل منشور محاولا تبرير فشلهم وتبرير رد برنامج الغذاء دون أدني شعور بالمسؤولية او انتماء او حتى مراجعة مهام وزارته ومسؤولياتها ومسؤوليات الحكومة في ضياع مثل هذه الكمية من القمح النقي المهداة من بولندا. بل انه لم يلاحظ الاستخفاف الذي قام به برنامج الغذاء العالمي سواء بالمبلغ المقترح للعملية او بالحكومة وكان الاجدر به إحالة البرنامج الى التحقيق ومحاسبته على هذه المذكرة وعلى كل ما جاء من تمويلات سابقة وكيف تم إنفاقها.

 

الخلاصة:

يبدو ان دولة بولندا امام ما حدث قامت بإبلاغ عودتها عن إعطاء هذه الهدية من القمح وأنها سوف توزعها لدول أخرى، نعم عليها ان توزعها لدول توجد فيها حكومات تحترم نفسها وتحترم وتقدر شعبها.

نحن اليوم امام موقف مهم يجب ان تتحرك فيها الجهات العليا ممثلة بمجلس الرئاسة وجهاز الرقابة والمحاسبة والقضاء والنيابة في اتجاه محاسبة برنامج الغذاء العالمي وغيره من الوكالات الأممية باليمن الى جانب محاسبة الحكومة عما حدث واعتبار هذه المذكرات دليل ادانة وفساد واضح.

تعكس الأحداث التي تناولناها في هذا التقرير حقيقة خطيرة عن نقص الشفافية وانعدام المهنية في التعامل مع المساعدات الإنسانية في اليمن. بينما كانت الهدية الكريمة من دولة بولندا تهدف إلى تخفيف معاناة الشعب اليمني وتلبية احتياجاتهم في مجال الغذاء، فإن التعامل السيء والاستغلال من جانب مسؤولي الحكومة الشرعية ومنظمة الغذاء العالمي قد أدى إلى ضياع هذه الفرصة الثمينة.

يجب أن تكون هذه الحادثة تحذيرًا لجميع الأطراف المعنية بتوزيع وإدارة المساعدات الإنسانية في اليمن بضرورة زيادة الشفافية، وضمان توجيه هذه المساعدات بشكل فعال وفعّال إلى الأشخاص والأسر الذين بحاجة إليها بشكل عاجل وملح. يجب أن تكون العمليات الإنسانية محكومة بالمهنية والأخلاقيات وتحقق أعلى معايير الشفافية والمصداقية.

على الحكومة الشرعية أن تتخذ الإجراءات الضرورية لمعالجة هذه القضية بشكل جاد، والتحقيق في الأمور بشكل دقيق لتحديد المسؤوليات واتخاذ العقوبات المناسبة. يجب أن يكون هذا التحقيق نموذجًا للتعامل مع مثل هذه الحالات في المستقبل، حيث يجب أن تكون المصلحة العامة وحقوق الشعب أولوية قصوى.

 

[1] https://www.facebook.com/Dr.abdulqaderkarraz/videos/3311572888924648

 

 

نسخة من التقرير بصيغة PDF

ضياع هدية بولندا من القمح بين انعدام مهنية الشرعية واطماع منظمة الغذاء العالمي – المعدل — 2 اكتوبر 2023